مدينة الألف عامود. وأحيانا يطلق عليها مدينة بومبي الشرق. تقع مدينة جرش في الجزء الشمالي الغربي للمملكة الأردنية الهاشمية، وترتفع عن سطح البحر حوالي 600 م. وتعتبر من أهم مدن الأردن التي تبرز جانب مهم من هوية المملكة التاريخية.
يعتقد الباحثون أن أصل تسمية جرش هو كلمة “جرشو” التي استخدمها للعرب قديما بمعنى “مكان كثيف الأشجار”. في حين أطلق عليها الاغريق والرومان اسم “جراسا” Gerasa.
وقد بقيت المدينة مغطاة بالتراب، الى أن بدأت أعمال التنقيب عام 1925 والمستمرة الى الأن والتي قامت بكشف معظم الموقع الأثري، وتحديد طبقات الاستيطان فيه. وعلى الرغم من أن تأسيس المدينة الحالية بدأت في فترة توسع اليونانيين وسيطرة الإسكندر الأكبر على المنطقة. الا أن الباحثون كانوا قد عثروا على بقايا تؤكد أن بداية الحياة في الموقع تعود الى فترة العصر الحجري الحديث، أي الى حوالي 7500 سنة. أما أطلال المدينة الماثلة الآن تعود للفترة الرومانية المتميزة بعناصرها وكتلها المعمارية المتنوعة، والمتعددة الوظائف. بل تعتبر من أفضل نماذج المدن الرومانية في العالم.
يعتبر الباحثون أن أوج ازدهار المدينة كان في الفترة الرومانية مع بدايات القرن الثالث الميلادي. ونتيجة موقعها الاستراتيجي بالنسبة للقوافل التجارة، أصبحت المدينة مركز تجاري، حتى أنها توسعت في علاقاتها مع الأنباط في الجنوب.
ومع اعتناق اهلها الديانة المسيحية انشأت فيها العديد من الكنائس والاديرة، فضلا عن المراكز الثقافية كالمسارح وميادين سباق الخيول. والتي سنقوم بجولة سريعة في أهم معالمها المعمارية.
شارع الأعمدة:
يطلق عليه شارع ” كاردو”. يمتد هذا على مسافة حوالي 800 م. يعتبر الشارع الرئيسي في المدينة، ويشكل العمود الفقري لها. يحتوي على حوالي ألف عامود على طرفيه. و لا يزال منها 70 عامود واقفه بشكل كامل ومزينة بالتيجان. أرضية الشارع مرصوفة بالحجارة.
المسارح الرومانية:
ا- المسرح الجنوبي: وهو أضخم المسارح في مدينة جرش. تم تشييده في القرن الأول الميلادي. يتسع لحوالي 5000 متفرج. وقد شيد بحيث يلائم النظام الصوتي في جميع زواياه. كان قد خصص للمبارزات، والصراعات مع الحيوانات المفترسة.
2- المسرح الشمالي: يعود بناؤه الى حوالي 165 م. يتسع الى ما بين 1500-3000 متفرج. وهو من أهم مباني الجزء الشمالي من المدينة.
الهيبودورم: وهو ميدان الخيل. كانت تتم فيه سباقات الخيول، أو العربات التي تجرها الأحصنة. يلاحظ في مدين جرش انه يتكون من جدارين ومدرّجات من ثلاث جهات مرفوعة على أقبية. ويتواجد خلف قوس هادريان.
قوس هادريان: والمعروف أيضا بقوس النصر، أو بوابة هادريان. ومن المرجح انه أنشأ عام 130 م تكريما للإمبراطور الروماني هادريان. والذي يميز هذا القوس هو التأثيرات المعمارية الغير تقليدية، ويتجلى هذا واضحا في زينة قواعد أعمدته، والتي جعلت تيجانها في أسفل الأعمدة وليس العكس كما هو الحال في الأعمدة الرومانية. وتتكون البوابة من ثلاثة مداخل. أعلى ارتفاع لها 37 م.
الكاتدرائية وكنائس مدينة جرش: بالقرب من نهاية شارع الأعمدة يوجد بوابة معبد ديونيسيوس الروماني والذي بني في القرن الثاني للميلاد، والذي أعيد بناؤه فيما بعد ليكون كنيسة بيزنطية، أو ما يسمى “كاتدرائية” و كان ذلك في القرن الرابع الميلادي. و تتميز هذه الكاتدرائية ببوابتها الحجرية الضخمة، ذات نقوش و منحوتات ملفته.
أما بالنسبة لباقي الكنائس، فقد بنيت أغلبها من الأحجار والرخام. وهذه الكنائس هي:
– كنيسة القديس Isaiah:
تقع على مصطبة مطلة على المسرح الشمالي من الغرب مبينة على الطراز البازيلكي، وأرضيتها مغطاة بالفسيفساء، وبنيت حوالي عام 559م.
– كنيسة بروكوبيوس:
تقع في الجانب الشرقي من المدينة على مقربه من سور المدينة مؤرخة إلى عام 526 / 527 م وهي مبنية على الطراز البازيليكي وذات أرضية فسيفسائية.
– كنائس القدسيين كوزموس وداميان، وكنيسة يوحنا المعمدان وكنيسة القديس جورج:
تقع هذه الكنائس الثلاث إلى الجنوب الغربي من معبد ارتيمس وهي عبارة عن ثلاث كنائس في مجمع واحد وتشترك ببهو أمامي واحد من الجانب الغربي وتتصل فيما بينها بأبواب داخلية بنيت هذه الكنائس ما بين عامي 529- 533 م.
وأرضيات هذه الكنائس مرصوفة بالفسيفساء والكنيسة الوسطى (كنيسة يوحنا المعمدان) ذات مخطط دائري في المنتصف بداخل مربع وفيها مكان للتعميد.
– كنيسة القديسين بطرس وبولس:
تقع في الزاوية الجنوبية الغربية من المدينة على بعد عدة أمتار من سور المدينة وبنيت حوالي عام 540 ميلادي، على النبط البازيليكي وأرضيتها مغطاة بالفسيفساء.
– كنيسة الموتى:
تقع على بعد حوالي 50 م جنوب الكنيسة القديسين بطرس وبولس. وهي ملاصقة للسور الذي يحتوي أسفل منه على كهف يضم رفات والدي باني الكنيسة وأرضية الكنيسة مغطاة بالفسيفساء وهي ذات قاعة واحدة. بنيت في نهايات القرن السادس الميلادي
تعرضت مدينة جرش للهجوم من الجيوش الفارسية، وقاموا بتدمير العديد من معالمها. ولكن في عام 635 م. وصل اليها الفتح الاسلامي، والذي أعاد اليها الأمن والاستقرار، لتعود وتزدهر مرة أخرى في العهد الأموي. كما كشفت التنقيبات الأثرية عن معالم معمارية اسلامية، وتم الكشف عن أساسات لمسجدين، مسجد كبير مبني فوق مسجد أسفل منه، ويعودان لفترة إسلامية مبكرة أساساتهما من طوب الآجر.
من أهم المعالم التاريخية الإسلامية في مدينة جرش
المسجد الاموي
يعود هذا المسجد الى تاريخ الربع الثاني من القرن الثامن ميلادي، واكتشف هذا المسجد عام 2002 ميلادي. ربما يعود هذا المسجد الى فترة حكم الخليفة الاموي (هشام بن عبد الملك)، يقع هذا المسجد على احدى زوايا تقاطع الشارع الرئيسي الكاردو Cardo مع الشارع الفرعي ديكمانوس Decumanus.
المسجد الحميدي
وهو مسجد يعود الى العهد العثماني وتم تسميته بالمسجد الحميدي نسباً الى السلطان عبد الحميد الثاني وبناه الشركس المقيمين في جرش تم إنشاء هذا المسجد عام 1887م وهو من أهم المساجد في جرش.
كما عثر على قطع فخارية تعود للفترة الإسلامية في الأجزاء الشمالية الشرقية والوسطى من الموقع على عدد من القدور الفخارية الخاصة بالطبخ وطاسات الشرب، إلى جانب الفخار المزجج، حيث عثر على أنواع مختلفة من الأواني المزججة باللون الأزرق التركوازي أو الأبيض.
في العهد العثماني المتأخر ألغي اسم جرش ليحل محله اسم ساكب، لتصبح ساكب تشمل قرية جرش وقرية ساكب، إلا أن هذا لم يدم كون اسم جرش عاد ليظهر مجددا في سجل الضرائب العثمانية أواخر القرن السادس عشر.
كان زلزال عنيف قد دمر أجزاء كبيرة من هذه المدينة سنة 747 ميلادية كما ادت الزلازل المتلاحقة ومعها الحروب والفتن التي ضربت المنطقة لاحقا إلى دمار اضافي أسهم في خرابها وبقيت انقاضها مطمورة في التراب مئات السنين.