الناتئ الإبري و اليد البشرية

بقلم: روان المغربي

على الرغم من الاكتشافات الكثيرة التي تم فيها العثورعلى بقايا أيدي كاملة نسبياً لاثنين من أشباه الإنسان المبكرة ارديبثكس راميدس Ardipithecus Ramidus و الاسترالوبيثكس سيديبا Austalopithecus Sediba بالاضافة إلى أجزاء من بقايا أيدي تعود للاسترالوبثكس العفاري مازال هنالك العديد من الأسئلة الجوهرية التي تطرح حول التطور التشريحي و الوظيفي لِيَد أشباه البشر وذلك بسبب قلة البقايا العظمية العائدة للأيدي في السجل الأثري ما بين ٨٠٠.٠٠٠ و ١،٨ مليون سنة .

ولكن واحدة من أهم الملامح المميزة لليد في الفترة الممتدة بين البليستوسين الأوسط و الوقت الراهن وهو الناتئ الإبري للسنعية الثالثة وللتعريف بالناتئ الإبري يجب التعريف بالسنعية الثالثة .اولاً ما هي السنعية الثالثة ؟

تشكل العظام السنعية مشط اليد (راحة اليد) وعددها خمسة  تقع بين الصف الثاني لعظام الرسغ في الأعلى و السلاميات القريبة في الأسفل و ترقم من ١الى ٥من الإبهام الى الإصبع الصغرى ،السنعي الأول هو الأقصر و الثاني هو الأطول ويتناقص الطول من الثاني حتى الخامس وبذلك تكون السنعية الثالثة هي عظمة طويلة متموضعة في باطن راحة اليد تصل الاصبع الأوسط مع عظام الرسغ ويوجد في نهاية السنعية الثالثة من ناحية الرسغ بروز عظمي صغير وهو ما يسمى بالناتئ الإبري .

تكمن أهمية الناتئ الإبري بأنه يعمل كماكينة قفل بين عظام اليد وعظام الرسغ وهذا يتيح للإبهام و الأصابع الضغط بشكل أكبر على اليد ،بمعنى آخر بدون استخدام الناتئ الإبري لاغلاق السنعية الثالثة على عظام الرسغ فإن كل عظام الرسغ ستفتقر إلى الاستقرار اللازم للتعامل مع الأشياء بقوة ودقة لأن الناتئ الإبري يوزع الضغط الناتج عن وضعيات الإبهام المختلفة بما فيها القص و التمزيق ويمكننا القول أن البراعة اليدوية التي تحققت بفضل المزايا الفريدة التي يقدمها الناتئ الإبري والتي سهلت قدرة الانسان على صنع الأدوات إبتداءً من الفوؤس الحجرية الى المعدات البصرية الدقيقة .


وما يجب معرفته أن الناتئ الإبري هو صفة خاصة بالبشر حيث عثر عليه في جميع البقايا البشرية التي تم العثور عليها حتى الآن بما في ذلك النياندرتال و Homo Heidelbergensis و العكس صحيح فلم يتم العثور على الناتئ الإبري في كل من القردة العليا المعاصرة و مختلف أنواع الانسان -القرد المنقرضة في سلسلة النسب البشري التطوري .فعلى سبيل المثال  فإن سجل بقايا الاسترالوبثكس العفاري و الأفريقي و سيدبا لم تقدم أي ادلة على وجود الناتئ الإبري ، وبذلك يعتقد بعض الباحثين بأن انقراض هذا النوع – الاسترالوبثكس – كان بسبب فشله في تطوير هذا التكيف .ففي وقت ما كان هنالك إلى جانب أفراد من نوع هومو أفراد ما زالت متبقية من الاسترالوبيثكس والذين لم يتمكنوا من تحقيق هذا التكيف وهذا يثر التساؤل حول مدى أهمية أيدينا  في نجاح سلالتنا و انقراض سلالتهم . 

يعطي هذا البروز العظمي الصغير دليل بأن إعادة تشكل البنية الرئيسية لليد حدث قبل ظهور التعقيد في الأدوات الآشولية والتي تُرى بعد ١،٢ مليون سنة ولم يتم للأسف العثور حتى الآن على بقايا عظمية في مواقع تواجد الأدوات وبالرغم من ذلك أصبح العلماء أكثر راحة في إعطاء صفة الصانع للهومواريكتوس .

والسؤال المطروح فيما اذا تطور الإنسان بسبب تعلمه المشي على قدمين أم لأسباب اخرى وهذا ما حاول مجموعة من علماء فيزيولوجيا الأعصاب في طوكيو دراسته و قد كتبوا عن تجربتهم :
” كان لدى الناس تخمينات كثيرة فيما اذا كان تطور المشي على قدمين عند البشر الأوائل Hominins هو ما سبب استخدام الأدوات بفضل الأيادي التي تحررت بنتيجة لذلك أم أن ضرورة صنع الأدوات واستخدامهاهو ما شجع الوقوف و المشي على القدمين .وفي هذه الدراسة حاولنا إلقاء الضوء على أصول البراعة اليدوية و قدرة المشي على قدمين من خلال رسم خريطة الانطباعات العصبية في الدماغ لأصابع اليدين و القدمين للبشر الحالين مقارنةَ مع القردة  .ونتائج هذه الدراسة تشير إلى أن التكيفات الكافية وراء استخدام الأدوات تطور بطريقة منفصلة عن تلك المطلوبة لانتصاب الانسان .
وأهم الأدلة الأثرية العظمية والتي دفعت تاريخ استخدام الانسان للأداة نحو نصف مليون سنة هي ما صنفت تحت رقم KNM-WT51260  ففي عام ٢٠١٢ اكتشف فريق تابع لمتاحف كينيا الوطنية سنعية ثالثة بشرية من موقع Kaitio كايتيو في شمال كينيا غرب بحيرة Turkana توركانا وأرخ بحوالي ١،٤٢مليون سنة ،وكان لهذه السنعية بروز عظمي صغير (ناتئ إبري) والجدير بالإشارة أن هذا الناتئ الإبري لم يمر بمراحل تطورية فإن الناتئ الإبري ل KNM-WT51260 لم يشكل مرحلة وسطية بين عدم تواجده في أشباه البشر الأوائل و بين النياندرتال و جنس الهومو لاحقاً والصورة التالية توضح ذلك :

A صورة ثلاثية الأبعاد لمقارنة عظام السنعية الثالثة لمختلف الأنواع : من اليسار الى اليمين العظمة السنعية الثالثة للشمبانزي – الاسترالوبثكس العفاري الاسترالوبثكس سيدبيا – نياندرتال – الانسان المعاصر و السهم الصغير يشير الى الناتئ الإبري

 و الملاجظ في الصورة أعلاه في الجهة B السنعية الثالثة لبقايا KNM-WT51260 وبالرغم من عمره الافتراضي الكبير نسبياَ الا انه لايمكن تميزه عن سنعية النياندرتال أو البشر ويشبه عظم الانسان الحالي في النسب العامة و التشكل .

المصادر

www.researchgate.net/publication/259350656_Early_Pleistocene_Third_Metacarpal_from_Kenya_and_the_Evolution_of_Modern_Human-Like_Hand_Morphology www.answersingenesis.org/human-evolution/hominids/fossil-hand-turns-back-the-clock-on-tools-for-human-evolution/ www.meeting.physanth.org/program/2013/session23/ward-2013-earliest-evidence-of-distinctive-modern-human-like-hand-morphology-from-west-turkana-kenya.html

خالد حياتله، عالم آثار فلسطيني - سوري، كان قبل النزاع في سوريا مرتبطاً بالمديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق. الان مع معهد الآثار الرقمية في أكسفورد، يستكشف ويقود إمكانات التقنيات الجديدة لإصلاح وإعادة بناء المعالم والمواقع الأثرية المدمرة في سورية. حصل على شهادته في علم الآثار من جامعة BYU في الولايات المتحدة الأمريكية ومن جامعة دمشق.

شاهد أيضاً

نحن نستخدم اليد اليمنى منذ نحو مليونين سنة مضت !!!!

تقترح دراسة حديثة أن تفضيل البشر استخدام اليد اليمنى يعود الى فترة أقدم مما كان يٌظن سابقاً. فوفقاً لبعض الباحثين فإن الخدوش الموجودة على أسنان فك يعود الى بقايا هوموهابيلس تم العثور عليه في تنزانيا وأٌرخ بحوالي ١.٨ مليون سنة مضت تقدم الدليل الأقدم على استخدام البشر ليدهم اليمنى.