القدم الصغيرة

بقلم: روان المغربي

إنه اسم غريب لبقايا أكثر الهياكل العظمية اكتمالاً المكتشفة الى الان فهو حتى أكثر اكتمالا من لوسي الهيكل الأكثر شهرة .

تم العثور على القدم الصغيرة ضمن سلسلة كهوف ستريكفونتين strekfontein في وسط جنوب افريقيا ( صاحب الشهرة الواسعة حيث تم العثور فيه ومنذ عام ١٩٣٦على عدد كبير من بقايا الاسترالوبيثكس ) وذلك في تسعينيات القرن الماضي وسميت بهذا الاسم الغريب في عام ١٩٩٥نسبة الى عظام الكاحل الأربعة التي تم العثور عليها أولاً .

القدم الصغيرة هي أنثى كما لوسي ولكنها أضخم وأطول منها بطول ١٣٠سم  وقد عاشت القدم الصغيرة قبل ٥٠٠،٠٠٠ سنة عن باقي الاسترالوبيثكس وبالمقارنة مع الاسترالوبيثكس العفاري كانت القدم الصغيرة ممتلئة الجسم وبقوة جسدية أكبر .

قصة  الاكتشاف 

كما الاسم الذي اطلق عليها غريب فإن قصة العثور عليها أغرب ففي عام ١٩٩٤وبينما كان العالم المختص في أصول البشر ( Paleoanthropologist) رولاند كلارك يفتش في صندوقين يحتويان على مجموعة مما عثر عليه في تنقيبات ما بين عامي ١٩٧٨و ١٩٨٠فميز بين العظام الموجودة عظم العقب (talus) و العظم الاسفيني الأنسي (medial cuneiform) و العظم الزورقي (navicular) والقسم القريب من العظم المشطي الأول (proximal half of first metatarsal )  وكانت هذه العظام الأربع تعود للشخص نفسه والأهمية الكبرى لتلك العظام لا تكمن فقط بكونها تعود الى اقدم إنسان تم العثور عليه في ستريكفونتين بل انها تظهر أيضا شبهاً بالرئيسيات كما انها تحمل صفات إنسانية ومن تلك الصفات على وجه الخصوص ارتباط العظم المشطي الاول بمفصل متحرك مع العظم الاسفيني الأنسي والذي يعني بأن صاحب هذه القدم قد أمضى وقتاًعلى الأرض كما أمضاه على الأشجار وبتعبير آخر بأن صاحب هذه القدم كان يمشي منتصباً على قدمين .

وبعد ثلاث سنوات وفي عام ١٩٩٧ عثر العالم كلارك في صندوق اخر كان محفوظ في الجامعة على عظم إسفيني وسطي يتناسب بشكل غريب مع العظم الاسفيني الأنسي الذي كان قد عثر عليه سابقاً وبعد بضعة أيام كان قد حصل على ١٢عظمة تعود لقدم و ساق لنفس الشخص .

وفي الحادي عشر من شهر حزيران من عام ١٩٩٧ تم الإعلان عن هذا الاكتشاف الهام و نهاية الشهر التالي قام كلارك بإعطاء الجزء الأعلى من الساق اليمنى (tibia) لاثنين من أعضاء فريقه وطلب منه طلباً يبدو للوهلة الاولى مجنوناً وهو بأن يجدوا ما يطابق هذا الجزء من الساق اي وجب عليهما إيجاد باقي الtibia التي عثر عليها سابقاً!!!! فهذا كان كالبحث عن قشة في كومة قش ولكن كهف ستريكفونتين كان أكثر من مجرد قش فقد كان مكان واسع ،مظلم و عميق بصخور متراصة كأنها الإسمنت على الجدران و الارض و السقف . ولكن وبشكل مفاجئ وبعد يومين فقط قام العالمان بإيجاد القطعة المطابقة 

وبذلك بدأت رحلة البحث المضني للكشف عن الهيكل العظمي لصديقتنا القدم الصغيرة وبعد عشر سنوات من التنقيب البطئ والحذر في تلك الصخور المتراصة تم العثور على جمجمة كاملة مع الفك السفلي -الذراع اليسرى مع اليد اليسرى -الذراع اليمنى مع اليد اليمنى –عظم الترقوة الأيمن -عظم الكتف الأيمن -العديد من الفقرات و الأضلاع -عظم العجز والحوض مع الساقين وبعض عظام الأقدام .

إلى أي نوع من الاسترالوبيثكس تنتمي القدم الصغيرة :

عندما تم الإعلان عن هذا الاكتشاف لم يكتمن الممكن تحديد ألى أي نوع من الاسترالوبيثكس تنتمي القدم الصغيرة ولكنه كان من الأكيد أنها تختلف عن الاسترالوبيثكس الأفريقي ،كما أن عملية الكشف عن العظام أظهرت بأن جمجمة القدم الصغيرة تحمل تشابهاً مع صفات جماجم الاسترالوبيثكس العفاري في نقاط كما وتختلف في نواحي اخرى فرأى كلارك بأن القدم الصغيرة لا تنتمي إلى أي من الاسترالوبيثكس الأفريقي ولا الاسترالوبيثكس العفاري بل الى نوع من الاسترالوبيثكس كان قد تم العثور عليه في ستريكفونتين و مكابانسقات (Makapansgat) والذي كان العالم دارت كان قد اطلق عليه اسم أسترالوبيثيكس بروميثيوس  (Australopithecus Prometheus) بوجهه الأطول و الأكثر تسطحاً و بضواحك أكبر من الاسترالوبيثكس الأفريقي بينما كان بعض العلماء يعتقدون بأن القدم الصغيرة تنتمي الاسترالوبيثكس الأفريقي بجمجمته الأكثر دائرية وحجم دماغ اكبر وحجم أسنان  أصغر من لوسي وباقي الاسترالوبيثكس العفاري

عمر القدم الصغيرة :

ظل عمر القدم الصغيرة محل شك دائماً فقد تأرجح بين ٢و٤مليون سنة مضت و لكن في عام ٢٠١٥تم تأريخها ب ٣،٦٧ مليون سنة مضت بمعدل خطأ ١٦٠الف سنة وذلك عندما قام مجموعة علماء من جامعات فرنسية وكندية و جنوب أفريقية باستخدام تقنية النظائر المشعة وتدعى هذه التقنية ب isochron burial dating والتي تتم من خلال أخذ عينات من الأحجار المحيطة بالبقايا الاثرية المراد تحديد عمرها لمعرفة الوقت الأول التي تم فيها دفن هذه الأحجار وبالتالي البقايا المجاورة لها .

أين عاشت القدم الصغيرة :

هنالك العديد من الدلائل على أن القدم الكبيرة قد عاشت منتصبة القامة الا أن هنالك أيضا دلائل على انها عاشت على الأشجار أيضاً بما في ذلك إصبع قدمها الكبير المعترض ولربما السبب في بقائها على الأشجار هو الحيوانات المفترسة التي عاصرت الاسترالوبيثكس  وبذلك فإن النوم على الأرض شكّل خطر كبيراً عليها فلربما قضت ليلها ع الأشجار .

بعض المراجع :

Ron J. Clarke: Latest information on Sterkfontein’s Australopithecus skeleton and a new look at Australopithecus. In: South African Journal of Science. Band 104, 2008, S. 443–449

Clarke R.J. (1998): First ever discovery of a well-preserved skull and associated skeleton of Australopithecus. South African Journal of Science, 94:460-4.

خالد حياتله، عالم آثار فلسطيني - سوري، كان قبل النزاع في سوريا مرتبطاً بالمديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق. الان مع معهد الآثار الرقمية في أكسفورد، يستكشف ويقود إمكانات التقنيات الجديدة لإصلاح وإعادة بناء المعالم والمواقع الأثرية المدمرة في سورية. حصل على شهادته في علم الآثار من جامعة BYU في الولايات المتحدة الأمريكية ومن جامعة دمشق.

شاهد أيضاً

نحن نستخدم اليد اليمنى منذ نحو مليونين سنة مضت !!!!

تقترح دراسة حديثة أن تفضيل البشر استخدام اليد اليمنى يعود الى فترة أقدم مما كان يٌظن سابقاً. فوفقاً لبعض الباحثين فإن الخدوش الموجودة على أسنان فك يعود الى بقايا هوموهابيلس تم العثور عليه في تنزانيا وأٌرخ بحوالي ١.٨ مليون سنة مضت تقدم الدليل الأقدم على استخدام البشر ليدهم اليمنى.