عندما تتجه للدخول الى المتحف الوطني في بيروت ستواجه البوابة العظيمة بأعمدتها الضخمة التي تعكس تأثير الفن المصري على لبنان وبينما تتجول في اروقة المتحف ستشعر بعظمة المكان، التي تغلغلت في جدران وجذور هذا البناء الجميل، حيث تستقر في قاعات هذا المتحف أكثر من 1300 قطعة من أجمل القطع الأثرية التي تروي لنا قصص عن الماضي الغابر، بداية بعصور ما قبل التاريخ حتى العصر الاسلامي.
دأت الحكومة اللبنانية حملة واسعة النطاق لاستعادة الآثار المسروقة أو المشتراة خلال الحرب الأهلية
يقع المتحف في بيروت عند تقاطع طريق عبد الله اليافي مع طريق الشام محاطًا بمضمار سباق بيروت ومبنى المديرية العامة للآثار، حيث تُحاط قاعة الدخول الواقعة بالطابق الأرضي بمسرح صغير ومتجر للهدايا ويعلوها طابقين آخرين، وأهم ما يميز تصميم المبنى هو المدخل الكبير المكون من اربعة أعمدة منحوتة على طراز المعابد الفرعونية وهي على شكل نباتات اللوتس.
بعد جمع عدة مئات من القطع الاثرية من مختلف العصور بواسطة بعض الضباط الفرنسيين والوجهاء في لبنان ولدت فكرة بناء هذا المتحف عام 1923، وعندما تم انشاء وتشكيل لجنة اصدقاء المتحف برئاسة بشارة الخوري، تم تشكيل لجنة لجمع الاموال الازمة لبناء المتحف، وبعد تبرع البلدية بقطعة ارض بالقرب من ميدان سباق الخيل في بيروت وقبول الخطة الهندسية للمتحف التي قدماها المهندسين انطوان النحاس وبيار لوبرنس، تم البدء ببناء المتحف عام 1930 وانتهى البناء عام 1937 ثم افتتحه الرئيس الفرد نقاش عام 1942.
يتكون المتحف من قبو وطابق أرضي وشرفة ومصطبة ومن السماء تسقط اشعة الشمس الى داخل المتحف عبر السقف الزجاجي لتعطي للمتحف جمالية طبيعية. ان معروضات المتحف تتنوع في تفاصيلها وطريقة عرضها وهي تجذب الانتباه بشكل جميل. من أهم القطع الفنية في المتحف (تابوت أحيرام – فسيفساء الحكماء السبع – معبد أشمون – مدفن صور وجدارية مريم العذراء)
في عام 1975، مع اندلاع حرب لبنان الأهلية، قسمت بيروت إلى منطقتين متعارضتين، فكان المتحف الوطني والإدارة العامة للآثار على الحدود الفاصلة بين الميليشيات المقاتلة، وسرعان ما تدهور الوضع بالقرب من المتحف بسبب تعرض المتحف لقصف شديد وتحوله إلى ثكنة للمسلحين، وقد قررت السلطات إغلاق المتحف وحماية مقتنياته.
تم التخطيط لترميم المتحف الوطني من قبل وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار ومؤسسة التراث الوطني والمهندس المعماري والمخطط الحضري الفرنسي جان ميشيل ويلموت. في عام 1999، بدأت الحكومة اللبنانية حملة واسعة النطاق لاستعادة الآثار المسروقة أو المشتراة خلال الحرب الأهلية، ينص القانون اللبناني على أن أي قطعة له تاريخ يزيد عن 300 عام هو ملك للدولة، لذلك تم استعادة العديد من الآثار الثقافية من المستودعات أو المنازل الخاصة، في عام 2011، تم نقل معمل الترميم الأرضي، وافتتحت للجمهور قاعة عرض جديدة تحمل اسم الأمير موريس شهاب.
تنقسم مجموعات المتحف الى سبعة حقب تاريخية والتي ترتب كالتالي: حقبة ما قبل التاريخ، العصر البرونزي، العصر الحديدي، الحقبة الهلنستية، الحقبة الرومانية، الحقبة البيزنطية، العصر الاسلامي من الفتح حتى عهد المماليك.
عصور ما قبل التاريخ: مجتمعات الصيادين والفلاحين الأوائل، بدءًا من العصر الحجري القديم الادنى (1 مليون إلى 150.000 قبل الميلاد) إلى العصر الحجري الحديث (9000-3200 قبل الميلاد).
العصر البرونزي: (3200-1200 قبل الميلاد) شهد ولادة أولى القرى المحصنة في لبنان، وتطور الأنشطة التجارية والبحرية، واختراع أبجدية جبيل العالمية، وتضم هذه المجموعة جوهرة المتحف، وهي تابوت أحيرام، الذي يعرض عبى جدرانه أقدم نص أبجدي فينيقي.
العصر الحديدي: (1200 – 333 قبل الميلاد) شهد في لبنان ازدهار الحضارة الفينيقية التي بلغت ذروتها في التوسع البحري ونقل الأبجدية إلى ثقافات أخرى، وخلال هذه الفترة – بعد عصر الحكم الذاتي – أصبحت مدن المنطقة تحت سيطرة آشور وبابل وفارس.. أثرت الحضارات المتعاقبة على القطع الأثرية الفينيقية مثل الخزف والمجوهرات والعاج والتماثيل والتوابيت.
العصر الهلنستي: (333-64 قبل الميلاد) بدأت بانتصار الإسكندر الأكبر الساحق على الفرس بقيادة داريوس الثالث، مما مكن الفاتح اليوناني من غزو فينيقيا.
الحقبة الرومانية: في عام 64 قبل الميلاد وضعت الحملة العسكرية للقائد الروماني بومبيوس الكبير حدًا للفوضى السائدة في الإمبراطورية السلوقية وأصبحت فينيقيا جزءًا من العالم الروماني، لكن الحروب الأهلية الرومانية استمرت في تعطيل المنطقة حتى 31 قبل الميلاد، وبعد ذلك مع عهد أغسوطس هيمنت باكس رومانا على المنطقة.
الحقبة البيزنطية: بعد وفاة ثيودوسيوس الأول عام 395 م، قسمت الإمبراطورية الرومانية إلى إمبراطورية غربية وإمبراطورية شرقية، وارتبطت المدينة اللبنانية بالأخيرة وتحولت إلى المسيحية، وفي عام 392 أصبحت دين الدولة، وأمر الإمبراطور بهدم المعابد الوثنية. لكن الطائفة التي كانت تعبد أدونيس وجوبيتر نجت بطريقة ما.
العصر الاسلامي: اكتمل الفتح الإسلامي للبنان عام 637، ثم تعافى توسع المدن الساحلية الذي تباطأ جراء زلازل القرن السادس في العصر الأموي، وأظهرت الموانئ وأحواض بناء السفن نشاطًا جديدًا، وشهدت المناطق النائية أعمال ري واسعة النطاق لـ الزراعة. تأثر لبنان بشكل مباشر بانتقال السلطة بين الأمويين والعباسيين والفاطميين وأتباعهم إلى المماليك، وخلال هذه الفترة الطويلة انتشر الإسلام على نطاق واسع بينهم. تشمل آثار العصر الإسلامي (636-1516) العملات المعدنية والمجوهرات الذهبية والفخار المصقول.