قصة هدم مسجد بابري التاريخي في شمالي الهند تعود من جديد الى الواجهة. والسبب؟ بناء معبد هندوسي على أنقاض المسجد!

قام رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في الخامس من شهر آب عام 2020 بوضع حجر الأساس لمعبد هندوسي، على أنقاض المسجد البابري التاريخي، ليعلن بذلك نهاية هذا الصرح المعماري التاريخي، الذي تظهر قصته بين الحين والاخرى، نتيجة صراع قضائي بين المسلمين والهندوس، استمر حوالي ثلاثين عاما، وذلك على أحقية امتلاك أرض الجامع.

مسجد بابري يعتبر واحدا من أكبر مساجد ولاية ” أوتار براديش” في شمال الهند

 تعود القصة باختصار الى السنوات التي تلت مباشرة نيل الهند لاستقلالها من الاستعمار البريطاني عام 1947. حيث عملت بريطانيا جاهدة على مدار 173 عامًا، على تغذية النعرات الطائفية في البلاد. وقاموا بتأجيج الصراع الطائفي الذي استمر حتى بعد نيل الهند استقلالها.

فقد كانت قد أوهمت السكان الهندوس، بأن منطقة “أيوديا ” الواقعة شمال البلاد، وخاصة في مسجد البابري، بأنه مسقط رأس” الاله رام”، أحد آلهة الهندوس، مما جعلها واحدة من الأماكن المقدسة المهمة بالنسبة لهم.

مجموعة من الهندوس المتطرفين يحتلون المسجد

ومنها ما قام به عام 1870 المؤرخ البريطاني باتريك كارنيجي حين نشر تاريخًا إقليميًا للمنطقة ادعى أن المغول دمروا ثلاثة معابد في أيوديا واستبدلوها بالمساجد.

وكنتيجة حتمية لكل ما سبق، قام أحد الكهنة الهندوس مع عدد من مساعديه، في إحدى ليالي كانون الأول من عام 1949, باقتحام المسجد البابري ليلا ووضع تماثيل على جدرانه تعود للإله الهندوس ” راما”. ليقوموا بعدها بالإعلان عن ظهور ” الاله راما” داخل المسجد. حيث يمثل استخدام الأصنام أحد الاختلافات الكبيرة بين الهندوسية والإسلام. ففي الوقت الذي يحظر دين الاسلام بشدة عبادة الأوثان لأن الله، بالنسبة لأتباعه، غير مرئي وغير قابل للتجزئة. بينما تعتقد الهندوسية أن الله يمكن أن يوجد في أشكال عديدة وأن المخلصين يعبدون الأصنام كوسيلة لله. لذلك فإن تمثال رام نفسه سيكون إلهًا.

هذا الأمر دفع السلطات الهندية حينها الى اغلاق المسجد، وإبعاد المسلمين عنه. ثم تم تعين حارس عليه. لكن مع اتساع دائرة التوتر بين الهندوس والمسلمين، ومع تكرار الاعتداءات على المساجد، وعدم قيام الحكومة الهندية بإجراءات صارمه لحماية الاقلية المسلمة وحماية أماكنهم المقدسة.  قامت مجموعة كبيرة هندوسية عام 1992 بهدم المسجد التاريخي بالكامل. الأمر الذي أدى الى تأجيج الصراع بين معتنقي الطائفتين الهندوسية والمسلمة. وقد أثارهذا الهدم أعمال عنف انتشرت في أنحاء الهند على مدى الأشهر التالية. حيث شهدت 16 ولاية اضطرابات بين الأديان وفقًا لتقرير حكومي في ديسمبر من نفس العام.

وفي يناير 1993 اندلعت أعمال الشغب بين الهندوس والمسلمين في مومباي، أكبر مدينة في الهند، على أحقية ملكية أرض المسجد، والتي خلقت المئات من القتلى كان أغلبهم من المسلمين. وظل المسلمون منذ ذلك الحين يطالبون بإعادة بناء المسجد، لكن دون جدوى. حتى عادت القصة لتظهر من جديد عام 2010 حين قررت المحكمة تقسيم أرض المسجد الى ثلاثة أقسام. ثلث للمسلمين، وثلثان للجماعات الهندوسية المختلفة. ولم يشفع للمسلمين كل ما كانوا قد قدموه من إثباتات على صحة ملكيتهم للمكان. وبناءا عليه صدر عام 2019 قرار من المحكمة العليا يقضي بمنح أرض المسجد الى الهندوس. مدعية بأن “هيئة المسح الأثري الهندية” أصدرت تقريراً قدمت فيه دليلاً على أن هناك بقايا مبنى “غير إسلامي” تحت هيكل مسجد بابري المهدوم. الذي أعطى بدوره للهندوس الحق في اقامة معبد هندوسي.

مجموعة من الهندوس المتطرفين يحاولون تدمير المسجد

الجدير بالذكر أن مسجد بابري يعتبر واحدا من أكبر مساجد ولاية ” أوتار براديش” في شمال الهند. ويعود تاريخ بناؤه الى القرن السادس عشر على يد الامبراطور المغولي ظهير الدين محمد بابر في عام 1528.  كان المسجد يتسع لحوالي 90 شخصًا للصلاة، كُتبت آيات من القرآن على الجدران بالداخل. وعلى المنبر وتحت القبة المركزية، كان قد كتب بالغة الفارسية: “مكان لتنزل للملائكة”.

كان للمجمع فناءان، يحيط بهما جدار، ويفصل بينهما جدار آخر بسور. في الفناء الخارجي كانت هناك منصة خشبية صغيرة عليها تمثال رام حيث كان الهندوس يتعبدون قبل هدمه.

 وقد ظل المسلمون في مدينة أيوديا يصلون في هذا المسجد من دون انقطاع لأربعة قرون إلى أن بدأت المشاكل للمرة الأولى عام 1855. واستمرت الى يومنا هذا.

خالد حياتله، عالم آثار فلسطيني - سوري، كان قبل النزاع في سوريا مرتبطاً بالمديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق. الان مع معهد الآثار الرقمية في أكسفورد، يستكشف ويقود إمكانات التقنيات الجديدة لإصلاح وإعادة بناء المعالم والمواقع الأثرية المدمرة في سورية. حصل على شهادته في علم الآثار من جامعة BYU في الولايات المتحدة الأمريكية ومن جامعة دمشق.

شاهد أيضاً

اكتشافات ترجح أن كهف هاريانا يحتوي على أقدم فن في الهند

اكتشف علماء الآثار في أعماق ولاية هاريانا بشمال غرب الهند، لوحات كهوف تعود إلى العصر الحجري القديم، وذلك في غابة تلال مانجار باني في فريد آباد، داخل سلسلة من الكهوف المفقودة في سلسلة جبال كوارتزيت أرفالي بالمنطقة، ويُشتبه في أن هذا يمكن أن يكون أحد أقدم مواقع الاستيطان البشرى في البلاد.