روبرت بروم .. والسيدة بلس

بقلم: روان المغربي

كان الدكتور بروم واحد من رواد علم أصول البشر في جنوب افريقيا مع أنه لم يحصل على الشهرة إلا متأخراً في حياته . كانت بدايات بروم المهنية متواضعة  فقد تأهل للعمل كطبيب في عام ١٨٨٩ في اسكوتلندا على الرغم من حبه الأول للمستحاثات .

جاب بروم العالم بحثاً عن الآثار و في الوقت نفسه ممارساً و محاضراً للطب في ستيلنبوش  stellenboch وبذلك استطاع خلال تجواله في كاروKaroo  قضاء الكثير من الساعات الممتعة في البحث عن بقايا الثدييات الأولى .

كان بروم من الرجال الذين لا يعطون للقواعد أهمية كبيرة فعندما تغير الجو السياسي في جنوب أفريقيا وأصبحت المستحاثات تعتبر مخالفة لروح الكتاب المقدس انسحب للعيش في نيويورك و بريطانيا وقام ببيع بعض المستحاثات التي كانت بحوزته ليدعم نفسه مادياً .ولكن بحلول عام ١٩١٦عاد بروم مجدداً الى جنوب افريقيا وبدأ اهتمامه بالبقايا البشرية التي كانت قد بدأت بالظهور والتي حمست بروم وجعلته يعتقد بإمكانية ظهور البشر وتطورهم من أفريقيا .

عندما كشف العالم دارت Dart عن اكتشافه الكبير الطفل تانغ Taung child أبدى بروم اهتمامه فوراً وقدم نفسه إلى دارت قائلاً ” أنا بروم …لقد أتيت لرؤية جمجمتك الصغيرة ” ومن وقتها أصبح بروم من أشد المدافعين عن دارت حتى عندما عارضه المجتمع العلمي آنذاك . ولقد نتج عن هذا الشغف بأن تم افتتاح قسم لأصول البشر في متحف ترنسفال Transvaal في بريتوريا Pretoria والذي انضم اليه في عام ١٩٣٤.

على الرغم من إكماله السبعين عاماً عمل بروم في البحث عن نماذج أخرى للاسترالوبثكس الأفريقي لإيجاد الدليل على أصالة  جمجمة تانغ .ولكن البحث في النطاق الجغرافي لطفل تانغ لم يجدي نفعاً لذلك قرر بروم البحث في مناطق ذات ترسبات غنية بالكلس مشابهة لترسبات المنطقة التي تم العثور فيها على طفل تانغ .هذا قاده الى منطقة ستريكفونتين Sterkfontein والتي كانت زيارته الأولى لها عام١٩٣٦بناءاً على نصيحة مجموعة من طلابه .

كان بروم يرتدي بذته الرسمية حتى عند التنقيب في الموقع

بعد عثوره على بعض البقايا البشرية توقفت تنقيباته بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية و لكن في عام ١٩٤٧ عاد بروم للعمل مجدداً مع شريكه ج .ت.روبنسون  J.T.Robinson وقتها كان العمل صعباً بسبب صعوبة استخراج البقايا الأثرية  عن الصخور المتكتلة و العنيدة  والتي تسمى بريشيا breccia فقرر بروم استخدام الديناميت لفصل الصخور مما أغضب العلماء الآخرين الذين أكدوا أن هذه الطريقة كفيلة بتدمير كلا من البقايا الأثرية و سياقها  المادي أيضاً ضمن الطبقة من خلال استخدامه غير المسؤول للديناميت وبذلك منع بروم من التنقيب في ستريكفونتين من قبل مجلس الآثار الوطني ولكنه سرعان ما عاد للعمل في بحثه المحموم عن الاكتشاف  الكبير التالي .

في ابريل من العام نفسه تقنية استخدام الديناميت قد أتت ثمارها عندما عثر بروم على على جمجمة كاملة للأسترالوبيثيكس

عندما قلت كاملة لم أكن اقصد ذلك تماماً …..فقد كان لتلك الجمجمة شرخ او شق على طول الجبهة و السبب في ذلك يعود بشكل مضحك للديناميت الذي استخدمه بروم عند استخراجها وقسمها الى نصفين .

ولكن هذه النكسة لم تؤثر على فرحة بروم باكتشافه وتغاضى عن كل منتقديه مشيراً الى أن هذا الضرر بالجمجمة من الممكن إصلاحه و مؤكداً على أهمية هذا الاكتشاف بأنه وأخيرا يمكن إثبات أن الطفل تانغ ليس مجرد قرد قد شذ عن القاعدة .

أسمى بروم اكتشافه المذهل بالسيدة بلس Mrs.  Ples (هذه التسمية اشتقت من المصطلح العلمي Plesianthropus Transvaalessis والتي تعني الشبيه بالإنسان من ترانسفال) هذا الاكتشاف الذي جعله أسطورة في أصول علم الانسان حيث كان عمره قد ناهز ٨١ عام. صنفت السيدة بلس على أنها من الاسترالوبيثكس الأفريقي حالها حال طفل تانغ ….

لم يكن بروم رجل راحة أبداً فقد ظل يعمل في ستريكفونتين حتى وفاته في عام ١٩٥١ .

هذه المقالة عبارة عن ترجمة لفقرة بنفس العنوان من كتاب  cradle of humankind للكاتب   David Fleminger الصادر في عام 2008

خالد حياتله، عالم آثار فلسطيني - سوري، كان قبل النزاع في سوريا مرتبطاً بالمديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق. الان مع معهد الآثار الرقمية في أكسفورد، يستكشف ويقود إمكانات التقنيات الجديدة لإصلاح وإعادة بناء المعالم والمواقع الأثرية المدمرة في سورية. حصل على شهادته في علم الآثار من جامعة BYU في الولايات المتحدة الأمريكية ومن جامعة دمشق.

شاهد أيضاً

نحن نستخدم اليد اليمنى منذ نحو مليونين سنة مضت !!!!

تقترح دراسة حديثة أن تفضيل البشر استخدام اليد اليمنى يعود الى فترة أقدم مما كان يٌظن سابقاً. فوفقاً لبعض الباحثين فإن الخدوش الموجودة على أسنان فك يعود الى بقايا هوموهابيلس تم العثور عليه في تنزانيا وأٌرخ بحوالي ١.٨ مليون سنة مضت تقدم الدليل الأقدم على استخدام البشر ليدهم اليمنى.