السيدة بلس.. وأزمة الهوية

بقلم: روان المغربي

في ١٨ نيسان من عام ١٩٤٧ عثر كل من بروم Broom و روبنسون Robinson على جمجمة شبه كاملة تعود للاسترالوبثكس ضمن حائط في كهف ستريكفونتين Sterkfontein في جنوب افريقيا .كانت الجمجمة تعود لشخص بالغ وكأنها نسخة “بالغة” لطفل تانغ Taung واقترح بروم وقتها بأنها أنثى في منتصف العمر . واسم السيدة بلس Mrs.Ples هو مشتق من التسمية العلمية Plesianthropus Transvaalensis والتي تعني الشبيه بالانسان القادم من ترانسفال والذي صنف لاحقاً كاسترالوبثكس أفريقي عندما درست الجمجمة بشكل موسع من قبل العلماء.

مثلت بقايا السيدة بلس ذات ٢.٥مليون سنة مضت الدليل الذي كان ريموند درات Remond Dart بحاجته لإثبات نظريته القائلة بأن طفل تانغ كان الجنس الوسيط بين الانسان والقرد وبأن أصول الانسان تضرب جذورها في افريقيا وليس كما كان بعض العلماء يقترحون بأن الانسان نشأ وتطور في أوروبا . (1)

Mrs.Ples

لكن قصة السيدة بلس لم تنتهي هنا فبعد ما يقارب ٦٨سنة على اكتشافها مازال الجدل محتدم فيما اذا كانت سيدة كما ظن بروم أم أنها سيد بلس ؟؟؟

بدأت الشكوك حول جنس السيدة بلس في ثمانينيات القرن الماضي ولكن التحدي الأكبر جاء من قبل العالم فرانسيس ثاكريه Francis Thackeray وزملائه من جامعة Witwatersrand في جنوب افريقيا حيث جادلوا بأن السيدة بلس ما هي الا ذكر يافع والسبب في ذلك يتلخص في رأيهم تآكل الفجوة التي يتموضع فيها الناب بعد وفاة الصبي وهذا ما أظهره بمظهر أصغر وأكثر أنثوية . و لدحض هذه الادعاءات بدأ فريدريك غرين وزملائه من جامعة ستوي بروك في نيويورك اعادة بناء واقعية باستخدام ماسحات ( CT  (Computed Tomography   للسيدة بلس ولمجموعة اخرى من بقايا الاسترالوبيثكس الأفريقي ،ومن خلال هذا المسح تبين أن كل البقايا البشرية في ستريكفونتين تعود لبالغين و لشباب .

في البداية خَلصوا إلى أن السيدة بلس كانت بالغة عندما توفيت و أن جذور أضراس العقل كانت متشكلة بشكل كامل و الناس اليوم يصلون إلى هذه المرحلة في عمر يتراوح بين ١٧و ٢١ عام . وعلاوة على ذلك ،وبالمقارنة مع حفريات الاسترالوبيثكس الاخرى فإن السيدة بلس يبدو بأنه ليس لديها خسارة في عظام الفك العلوي وبالتالي فإن حجم تجويف الناب يعكس بشكل دقيق حجم السن في وقت الوفاة وصغر حجم الناب يؤكد بأن السيدة بلس كانت أنثى . (2)

هل اعتقدتم بأن الجدل انتهى ؟؟؟؟؟

لا ليس بعد هذا ما لخصته مقالة نشرت في نيسان من عام ٢٠١٢ وكانت تحمل عنوان “السيدة بلس أحد أسلاف الانسان بأزمة هوية ” فاعتقدت أن بحثي عن هوية السيدة بلس لم يعد أزمة ولكني تماديت في الأمر قليلاً عندما وضعت اسم فرانسيس ثاكريه للبحث في غوغل فخرج لي فيديو نشر في ١٤ كانون الثاني عام ٢٠١٦ يظهر فيه السيد ثاكريه ليؤكد على ذكوريّة السيدة بلس فهو لطالما اعتقد بأن السيدة بلس ما هي الا شاب صغير الحجم  وليس أنثى كبيرة الحجم .

Mr. Francis Thackeray

لدى السيد ثاكريه  العديد من النقاط التي تدعم نظريته :أولها التشريح الظاهري للجمجمة Extenal Anatomy حيث تظهر المسافة بين العينين و الواقعة فوق عظم الأنف مباشرة والتي تسمى  المقطب Glabella ( وهي منطقة متبارزة تشكل امتدادا للقوس الحاجبية على الخط الناصف وهي تشكل الحد العلوي من جسر الأنف ) كبيرة مقارنة  مع كل الاسترالوبيثكس الأفريقي المكتشف الى الان وهذا في رأي ثاكريه كافي للدلالة على أن السيدة بلس كانت ذكر . ثانياً :يجادل ثاكريه بأن المسح الذي تم على الجمجمة في الماضي لم يكن دقيقاً وأن المسح الذي ينوون الآن القيام به يتم بواسطة ماسحات أكثر تطوراً و باستطاعتها تقسيم الجمجمة الى شرائح أرق بكثير بحيث يكون عرض الشريحة الواحدة ما يساوي تقريباً عُشر واحدة من شعرنا فمن المؤكد بأنها سوف تعطي نتائج أفضل وأدق بكثير من سابقاتها . ثالثاً : يقول السيد ثاكريه بأن كل ذكور الأجناس القريبة الشبه بالانسان تمتلك أنياب كبيرة وأن القياسات الاولى التي قام بها السيد بروم في خمسينيات القرن الماضي للسيدة بلس أظهرت قياسات كبيرة لفجوات الأنياب وحسب قوله أن الاختبارات التي قام بها المتحف في الستينات باستخدام نوع من الأسيد على الجمجمة هي ما ألحق الضرر بالجمجمة وجعل هذه القياسات مختلفة عن الأصل . (3)

ولكن بظهور نتائج المسح هل ستنتهي أزمة السيدة بلس في بحثها عن هويتها ؟؟؟؟




(1) – A Guide to Sterkfontein & the Cradle of Humankind by Lee R. Berger . Brett Hilton-Barber -2006

Mrs.Ples A Hominid With An Identity Crisis by Erin Wayman. Smithsonian.com – 2012  – (2)

http://youtu.be/-CCIb2AxJf0  – (3)

خالد حياتله، عالم آثار فلسطيني - سوري، كان قبل النزاع في سوريا مرتبطاً بالمديرية العامة للآثار والمتاحف في دمشق. الان مع معهد الآثار الرقمية في أكسفورد، يستكشف ويقود إمكانات التقنيات الجديدة لإصلاح وإعادة بناء المعالم والمواقع الأثرية المدمرة في سورية. حصل على شهادته في علم الآثار من جامعة BYU في الولايات المتحدة الأمريكية ومن جامعة دمشق.

شاهد أيضاً

نحن نستخدم اليد اليمنى منذ نحو مليونين سنة مضت !!!!

تقترح دراسة حديثة أن تفضيل البشر استخدام اليد اليمنى يعود الى فترة أقدم مما كان يٌظن سابقاً. فوفقاً لبعض الباحثين فإن الخدوش الموجودة على أسنان فك يعود الى بقايا هوموهابيلس تم العثور عليه في تنزانيا وأٌرخ بحوالي ١.٨ مليون سنة مضت تقدم الدليل الأقدم على استخدام البشر ليدهم اليمنى.