هناك بالقرب من متحف حلب الوطني، يرقد فندق البارون- LE BARON منذ ما يزيد عن المئة عام، يحافظ على أنفاس نزلائه، وجدرانه تتذكر خطابات وخطط مفصلية ساهمت في تشكيل وجه العالم الجديد، لم تثنيه عن عراقته حرب طاحنة أوقفته عن استقبال زواره عدد من السنوات، بل أصبح وجهة تفكير المختصين بالإرث الحضاري في العالم.
بُني فندق بارون على خلفية اعتقاد أصحابه “الأخوين مظلوميان” بأن السياحة سوف تنشط بين الشرق والغرب بعد التحالف العثماني الألماني في عام 1907 الأمر الذي جعلهم يهمون لشراء قطعة أرض في أحياء حلب القديمة وتحديداً في شارع “غورو” ويبدؤون بإعمار الفندق المؤلف من طابقين يحتويان على 31 غرفة و حمامين، لينتهوا من إعماره في عام 1911 ويفتتحونه بحفل موسيقي نمساوي وإنارة تقليدية بطلها “اللوكس” ليجد فيما بعد الفندق طريقه إلى الشهرة ويصبح محطة لا بد منها لدى جميع زائري الشرق من أدباء ومفكرين وفنانين ورؤساء وسياسيين قدموا إلى مدينة حلب العريقة.
في عام 1942 رفع الأخوين “من أصول أرمنية ” مظلوميان الطابق الثالث للفندق والذي يحتوي على 17 غرفة وحمام وذلك لاستيعاب العدد الكبير من النزلاء الذين كانوا يقصدون هذا الفندق بالذات، الأمر الذي زاد حركة السياحة والتجارة في شارع غورو لتتخذ الدولة السورية قرارها علم 1946 بتغير أسم الشارع وتنسبه إلى أسم الفندق خاصة وأن هذا الشارع كان يعتبر بوابة للشرق آنذاك وملتقى للطرق والسياح القادمين من الغرب والشرق وبتحديد الملوك والرؤساء والنبلاء القادمين من أوروبا، حيث أقام في الفندق الكثير من أسر العائلات الحاكمة في أوروبا إضافة للباشاوات وتجار الحرير والأثرياء من كل أنحاء العالم، وقد تحدث الباحث السوري محمد جمال طحان قائلاً: “فندق بارون من الفنادق النادرة التي لديها طقوس خاصة للإقامة، وقد حرص أصحاب الفندق أيضا على إبقاء الغرف التي أقام فيها المشاهير كما هي بأثاثها ومقتنياتها، فما زال السرير كما هو، وما زالت طاولات وكراسي الجلوس كما هي في كل غرفة من الفندق”.
كان الأخوان مظلوميان حريصان على تسمية كل غرفة بمن نزل فيها حيث علقوا صور النزلاء المشاهير على جدرانها الأمر الذي يجعل الزائر يدرك عراقة الغرفة بمجرد ولوجه إليها.
شخصيات أثّرت عراقة فندق بارون
لم يكتسب فندق بارون عراقته من موقعه الجغرافي الهام ونمطه المعماري فحسب بل جاءت شهرته من الشخصيات المؤثرة في التاريخ السوري والعالم التي أقامت في غرفه وألقت خطاباتها من على شرفاته خاصة في فترة الحربين العالميين الأولى والثانية وتكاد تكون شخصية “لورنس العرب” المنسوبة إلى “توماس إدوارد لورنس” الذي شجع على التمرد ضد الدولة العثمانية والذي أقام في فندق البارون في عام 1914من أهم الشخصيات التي أقامة بالفندق ويذكر بأنه وجّه من على شرفة غرفته رقم “202” التي تطل على نهر “القويق” الذي يقسم مدينة حلب إلى قسمين رسالة إلى والدته في بريطانية حيث قال فيها جملته:”أجلس الآن على شرفة هذا الفندق العظيم (بارون) وأشاهد البط والإوز يسبح في النهر”.
أما من على شرفة الغرفة 215 أعلن الملك فيصل بن الحسين استقلال بلاد الشام عن الدول العثمانية عقب نهاية الثورة العربية الكبرى في عام 1916.
و إبان الوحدة بين سورة ومصر عام 1958 ألقى الرئيس المصري الراحل “جمال عبد الناصر” خطابه الشهير لأهالي حلب.
أما في أروقة الغرفة رقم 203 فقد نسجت الكاتبة العالمية من أصول بريطانية”أغاثا كريستي” خطوط روايتيها الأشهر ” جريمة في بلاد الرافدين وجريمة في قطار الشرق الأسرع” وذلك عندما أتت مع زوجها عالم الآثار والمستشرق “متر ماكس فالوين” في عام 1934 القادم بمهمة للتنقيب عن الآثار في شمال وشرق سوريا.
و كان لفندق بارون حصة من عالم رواد الفضاء حيث أقام فيه “يوري غاغارين” أول رائد فضاء في العالم
و” فالنتينا تيلشكوفا” رائدة الفضاء الروسية.
أما الجنرال “شارل ديغول” زعيم الجمهورية الفرنسية أيضاً نزل في الفندق برفقة الجنرال “كاترو” و ألقى خطابه الشهير من على شرفة الفندق بارون وجاءت الزيارة عقب الانتصار الذي حققته فرنسا الحرة وبريطانية على سلطات الانتداب الفرنسية في سوريا ولبنان والتي كانت تدين بالولاء لحكومة فيشيVichy” ” (الحكومة الفرنسية بعد استسلام فرنسا للقوات الألمانية بقيادة هتلر)
و من الزعماء العرب سعد الله الجابري وعبد السلام العارف وابراهيم هنانو وفارس الخوري ونورس السعيد ومئات الشخصيات التي كان لها تأثيرها في صناعة التاريخ الحديث للشرق الجديد و العالم.
كنان خضور