كان الفرعون رمسيس الثالث، يعيش مع أفراد عائلته والمقربين من حاشيته فى القصر الملكي، وحفلت حياة القصر بالعديد من الأحداث بسبب الغيرة والطموحات والمؤامرات، ونتج عنها صراعات كثيرة، وكان أهمها الصراع على العرش بين الزوجات أمهات أولياء العهود الشرعيين والزوجات الثانويات وأبنائهن الراغبين في الحكم مصر بعد رحيل الأب، ووصل التآمر إلى حياة الملك نفسه.
ويقول الدكتور حسين عبد البصير، خبير الآثار المصرية، ومدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية، من المعروف أنه كانت للملك رمسيس الثالث زوجة ثانوية باسم “تي”، وقامت بمؤامرة ضد حياة الفرعون، وكانت هذه من المرات القليلة التي تحدثنا النصوص الفرعونية عن شيء كهذا، ونعلم عن المؤامرة من المحاكمات التي تمت للمتهمين من بردية تورين القضائية، وتعرف المؤامرة بـ”مؤامرة الحريم”، وشارك في المؤامرة عدد من حريم القصر الملكي وبعض سقاة البلاط وحرسه وخدمه، ولم يعرف هدف هؤلاء المتآمرين، ولعل السبب الأساس للمؤامرة أن هذه الملكة “تي” بالتعاون مع بعض نساء القصر خططت لاغتيال الملك كي تضع ولدها “بنتاورت” على العرش بدلاً من ولى العهد الشرعي، الملك رمسيس الرابع بعد ذلك.
وأوضح الدكتور حسين عبد البصير، أنه تم اغتيال رمسيس الثالث بالفعل، وانكشفت المؤامرة، وحقق فيها بأمر من الفرعون التالي الملك رمسيس الرابع، وحكمت المحكمة على المتهمين بأحكام تتراوح بين الإعدام والانتحار والجلد والسجن وقطع الأنف وصلم الأذن والبراءة، كل وفقًا لدوره وجريمته في تلك المؤامرة المشينة، ومن المعروف أن هناك مومياء لرجل غير معروف في المتحف المصري، وتعرف علميًا بـ”مومياء الرجل غير المعروف إي”، ويشيع تعريفها بـ”المومياء الصارخة” أو “مومياء الرجل الصارخ”.
وأضاف الدكتور حسين عبد البصير، أثبتت الدراسات الحديثة التي قام بإجرائها الدكتور زاهي حواس وفريقه على مومياء رمسيس الثالث والمومياء غير المعروفة أن مؤامرة الحريم لاغتيال الفرعون قد نجحت بالفعل، وأنه تم قطع رقبة الملك من الخلف بسكين حاد، وأن “مومياء الرجل غير المعروف إي” أو “المومياء الصارخة” أو “مومياء الرجل الصارخ” كانت لابن الملك بنتاورت، الذي أجبر على الانتحار وشنق نفسه بيده من خلال علامات الحبل الموجودة على رقبته، وتم عقاب هذا الابن أشد عقاب بعدم تحنيط جثته ودفن جسده في جلد الغنم الذي كان يعتبر غير طاهر في مصر القديمة، وبناء على ذلك سيذهب إلى الجحيم في الآخرة.
وتؤكد هذه الأحداث صدق الأساليب البلاغية التي تم استخدامها في نص المؤامرة الأدبي حين أشار إلى أن القارب الملكي قد انقلب، مما يرمز إلى وفاة رمسيس الثالث وصعود روحه إلى السماء، غير أن المؤكد أن المؤامرة قد فشلت بدليل تولى خليفته الطبيعي وولى العهد رمسيس، الملك رمسيس الرابع لاحقًا، عرش البلاد بدلاً من أخيه بنتاورت المتآمر، ويجيء هذا النص الفريد الذي يذكر تلك الواقعة ضمن النصوص الرسمية، وهذا يشير إلى تغير كبير حدث في مفهوم الملكية التي أصبحت هنا تميل إلى تصوير الفرعون فى صورة بشرية إنسانية به ضعف مثله في ذلك مثل باقي البشر، ولم يعد ينظر إلى الفرعون على أنه إله يحكم على الأرض، ولا نعرف شيئاً عن مصير الخائنة الملكة تي، وإن كان ذكر التاريخ لقصة هذه الملكة الخائنة ومؤامرتها لقتل زوجها فاضحًا للغاية وكاشفاً لسيرتها غير المشرفة، ولقد ساهمت الغيرة بين نساء القصر الملكي والصراع على العرش في ذلك، غير أن هذه كانت حالات قليلة في مصر القديمة التي كانت مثل أي مجتمع قديم له ما له من الصفات الحميدة وغير الحميدة.