في قلب الأوراس شرق الجزائر ، وتحديداً غرب ولاية باتنة، يوجد ضريح “إيمدغاسن” أو “ماد غيس” أحد أقدم أسلاف القبائل البربرية وهو أحد ملوك الأمازيغ خلال الفترة النوميدية.
الضريح ما يزال يحوي الكثير من الأسرار التي لم يتم كشفها
رجلا محاربا وحد القبائل النوميدية تحت راية واحدة ، بنى له قومه ضريحا ضم رفاته بعد موته إجلالا له.
يرجع تاريخ ضريح إيمدغاسن إلى نهاية القرن الرابع أو بداية القرن الثالث قبل الميلاد ، ولا يزال هذا الضريح شاهدا على أول محاولة لبناء دولة موحدة في شمال إفريقيا.
يعد “إيمدغاسن” أقدم ضريح ملكي أثري محفوظ في شمال أفريقيا ،في عام 1967 صنفته الجزائر تراثاً وطنياً محفوظا ، وفي عام 2002 صنفه منظمة اليونيسكو تراثا عالميا محميّا كما وصفت الضريح بأنه يعود لواحد من أعظم ملوك نوميديا، ليصبح من المعالم الأثرية التي تستهوي السياح والمهتمين بالآثار.
يلاحظ أن شكل ضريح إيمدغاسن يشبه شكل الضريح الملكي الموريتاني بولاية تيبازة والمعروف باسم “قبر الرومية” في الجزائر ، مما يشير إلى أن الأمازيغ كانوا يبنون أضرحتهم وفق هذه الهندسة.
يبلغ قطر الضريح حوالي 59 متر وبارتفاع يصل إلى 18.5 متر ، يشمل قسم سفلي ذو قاعدة أسطوانية مزيّن بستين عمودا ويضم ثلاثة أبواب وهمية منقوشة على الحجر ، يعلوه قسم مخروطي الشكل ، ونجد في وسط الضريح غرفة جنائزية هي مرقد الموتى، تضم قبو الدفن. استخدم النموذج الامازيغي في عمارة البناء وتصميم العناصر المعمارية، فهو يعبر عن “الشمس العظيمة” لدى الأمازيغ القدماء، ويوجد حول الضريح الملكي حوالي عشرة أضرحة بربرية أخرى نال منها الزمن و أهلكها حتى غير معالمها.
تاريخ الضريح
يعتبر ضريح إيمدغاسن صرح تاريخي للحضارة النوميدية التي تربعت على مناطق عديدة من الجزائر وأخذت من “سيرتا” عاصمة لها.
لم يستطع علماء الأركيولوجيا والتاريخ بكشف أسراره فمن يرقد بهذا الصرح العظيم ما يزال أسطورة و يقال أن الوندال أتوا على ممتلكاته ولم يبقوا على شيء بداخله.
ذكر الجغرافي الأندلسي “أبو عبيد البكري” أن نقوشاً جميلة زينت الضريح ، تمثلت في حيوانات وأشكال أخرى، غير أنه لم يبقى أي أثر لمثل هذه النقوش حالياً، ويقال أن ذلك الحجر المنحوت بنقوش بونيقية وإغريقية قد أتوا به من مدينة تيمقاد الرومانية والموجودة بنفس الولاية وذلك من أجل تغليط الناس وطمس الهوية الأمازيغية للمنطقة إذ لم يكن هذا الحجر في السابق، والمعروف أن الرومان والفينيقيين واليونانيين لم يبنوا أبنية في شكل أهرامات.
إهمال الضريح يتسبب بتدهوره
في سنة 2012 ، تم تصنيف ضريح إيمدغاسن من بين 100 معلم الأكثر عرضة للخطر من قبل “الصندوق العالمي للمعالم الأثرية” ، فعلى مر السنين شهد المعلم تدهورا كبيرا.
تعرّض الضريح للعوامل الطبيعية مما أدى إلى تصدعات وانهيار أجزاء من القبة والجدران بافتقاد سقفه المخروطي لعدد من حجارته الضخمة المصقولة وهي متناثرة قربه، كما تعرضت الأعمدة المعززة للمبنى للتآكل بسبب الأمطار.
لذلك قررت الوزارة بالقيام بترميمه لتفادي انهيار هذا المعلم النادر والضخم ، وكانت هنالك أشغال الترميم سنة 2006 و2012 ، كما نظم “برنامج دعم لحماية وتعزيز التراث الثقافي في الجزائر” الذي يموله الاتحاد الأوروبي مشروع تجريبي سنة 2015 لصون وحماية موقع الضريح الملكي النوميدي.
الجدير بالذكر أن هذا الضريح ما يزال يحوي الكثير من الأسرار التي لم يتم كشفها ، مما يجعل حقائق نوميديا تروى كأساطير مجهولة المصادر.